في إطار الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف

الأمم المتحدة تناقش تأثير التدابير القسرية الانفرادية على حقوق الإنسان في سوريا

الأمم المتحدة تناقش تأثير التدابير القسرية الانفرادية على حقوق الإنسان في سوريا
مجلس حقوق الإنسان في جنيف

ناقشت المفوضية السامية لحقوق الإنسان تقريرا بشأن الآثار السلبية للتدابير القسرية الانفرادية في التمتع بحقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية.

جاء ذلك في إطار انعقاد الدورة ال54 لمجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف خلال شهري سبتمبر وأكتوبر 2023 للاستعراض الدوري الشامل، بهدف توفير مساعدة تقنية للدول، وتوطيد قدرتها على معالجة تحديات حقوق الإنسان لديها.

وجاء التقرير بناء على توصيات تقرير المقررة الخاصة المعنية بالأثر السلبي للتدابير القسرية الانفرادية في التمتع بحقوق الإنسان، ألينا دوهان، والتي قامت بزيارة سوريا في الفترة من 31 أكتوبر إلى 10 نوفمبر 2022.

وخلصت المقررة الخاصة إلى أن للجزاءات الانفرادية والجزاءات الثانوية والأشكال المختلفة للامتثال المفرط لهذه الجزاءات تأثيراً سلبياً خطيراً على اقتصاد البلد، كما أدت إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والعديد من التحديات على الصعيد الإنساني، الأمر الذي تفاقم بسبب النزاع الممتد لفترة طويلة، فضلاً عن جائحة فيروس كورونا التي حدثت مؤخرا.

وقالت إن شمولية أنظمة الجزاءات الانفرادية القائمة ضد الجمهورية العربية السورية والامتثال المفرط المتزايد لها، لا سيما بعد فرض الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2019 قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، أدت إلى وضع البلد في مأزق مع ما ترتب على ذلك من آثار سلبية خطيرة على مجموعة واسعة من حقوق الإنسان.

توصيات أممية

وأوصت المقررة الخاصة برفع الجزاءات الانفرادية، وفقاً للمعايير القانونية الدولية ومبدأ بذل العناية الواجبة، تحاشياً لاعتماد سياسات ترمي إلى تجنب المخاطر والامتثال المفرط للجزاءات.

ودعت المجتمع الدولي والجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني إلى تكثيف الجهود الرامية إلى التخفيف من الأثر الإنساني السلبي للتدابير القسرية الانفرادية.

وفرضت جزاءات انفرادية على الجمهورية العربية السورية منذ الاحتجاجات الشعبية في عام 2011، وتضاعفت هذه التدابير على امتداد النزاع العنيف الذي دام 12 عاماً، حيث بات ينظر إلى الوضع الراهن على أنه حصار اقتصادي ومالي وتجاري كامل، يترتب عليه تأثير سلبي متعدد الأوجه في كل قطاع من قطاعات الاقتصاد وفي حياة الشعب السوري.

وتفاقمت آثار هذه الجزاءات الانفرادية بشدة بسبب تزايد أنماط الامتثال المفرط وتجنب المخاطر من قبل الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، بما في ذلك المصارف والمؤسسات التجارية، التي تختار خوفاً من احتمال توقيع عقوبات عليها بدعوى التحايل على أنظمة الجزاءات، القطع التام لأي علاقات مع البلد ومواطنيه وشركاته.

وأوضح التقرير الأممي أن ذلك أحدث أثراً خانقا على البلد العربي بأسره، وفقا لما أفادت به مجموعة من المحاورين الحكوميين وغير الحكوميين، كما أن التدابير التقييدية العديدة والمعقدة والشاملة التي فرضت على سوريا منذ أكثر من عقد من الزمان قوضت بشدة إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المتضررين بالفعل من الحرب وجائحة كورونا والكوارث الطبيعية التي وقعت مؤخراً.

وأقامت هذه الجزاءات عقبات خطيرة أمام عمليات إنقاذ الأرواح التي تضطلع بها الجهات الفاعلة في المجال الإنساني، الدولية والوطنية، على الرغم من وجود إعفاءات واستثناءات إنسانية رسمية، تشمل السلع الأساسية، مثل الغذاء والدواء.

خلفية تاريخية

وقد بدأ تاريخ الجزاءات الانفرادية المفروضة على الجمهورية العربية السورية في أبريل 1979، عندما أضافت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية البلد إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفرضت ضوابط على تصدير سلع معينة (ذات استخدام مزدوج)، وقيود مالية متنوعة.

وقيدت المساعدة الخارجية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى البلد العربي آنذاك، وفي عام 2004، اتخذت تدابير إضافية من خلال أمر تنفيذي لتنفيذ (قانون مساءلة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية لعام 2003) الذي حظر في جملة تدابير صادرات الولايات المتحدة إلى الجمهورية العربية السورية من جميع المنتجات باستثناء الأغذية والأدوية، وحظر على المؤسسات التجارية للولايات المتحدة الاستثمار أو العمل في البلد.

وتم تقييد تنقل الدبلوماسيين السوريين في واشنطن العاصمة ونيويورك (في محيط 25 ميلا)، وحظر على طائرات أي شركة نقل جوي سورية الإقلاع من الولايات المتحدة أو الهبوط فيها أو التحليق فوقها، وأوقف المعاملات المتعلقة بالممتلكات التي تكون لحكومة الجمهورية العربية السورية أي مصلحة فيها.

وفي عام 2011، تم اتخاذ سلسلة من الأوامر التنفيذية، ما أدى إلى توسيع نطاق الجزاءات الانفرادية لتشمل ما يلي: 

فرض حظر على ممتلكات حكومة الجمهورية العربية السورية والأفراد والكيانات المستهدفة أو على المصالح في هذه الممتلكات؛ وحظر تصدير أو إعادة تصدير أو بيع أو توريد الخدمات إلى الجمهورية العربية السورية.

وشملت حظر استيراد النفط أو المنتجات المتعلقة بالنفط ذات المنشأ السوري والتعامل معها؛ وحظر أي تمويل أو تسهيل من قبل مواطني الولايات لأي تعاملات يجريها أشخاص سوريون.

ومع اعتماد قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا في عام 2019، اتسع نطاق لوائح الجزاءات الانفرادية للولايات المتحدة وشملت جزاءات ثانوية.

وترتب على ذلك اتساع ولاية الولايات المتحدة خارج حدودها الإقليمية لتشمل الأفراد أو الكيانات من البلدان الثالثة التي تقدم دعماً مالياً أو مادياً أو تكنولوجيا كبيراً لحكومة الجمهورية العربية السورية (بما في ذلك الكيانات التي تملكها أو تسيطر عليها الحكومة نفسها) أو تشارك في إقامة معاملات معها، أو التي تورد سلعاً أو خدمات للقوات المسلحة للبلد وقطاع الطاقة ككل، وكذلك التي تقدم بشكل مباشر أو غير مباشر خدمات التشييد أو الهندسة الكبيرة.

ويوجد حالياً على قوائم الجزاءات الموحدة المفروضة على الجمهورية العربية السورية التي يديرها مكتب الولايات المتحدة لمراقبة الأصول الأجنبية 693 فرداً وكياناً سوريا.

ومنذ عام 2011، اعتمد الاتحاد الأوروبي سلسلة من التدابير التقييدية شملت ما يلي: فرض عمليات تجميد للأصول على عدد محدد من الأفراد؛ وحظر بيع أو توريد أو نقل أو تصدير المعدات التي يمكن استخدامها في القمع الداخلي؛ ورأي مساعدة تقنية أو وساطة في هذا الصدد.

معاناة مضاعفة

وفي عام 2012، اتسع نطاق هذه التدابير لتشمل: حظر تصدير السلع والتكنولوجيات لقطاع الطاقة: وفرض حظر على استيراد النفط والمنتجات النفطية السورية؛ وحظر أي تعاملات تجارية أو مالية مع قطاع الطاقة السوري (النفط والغاز الطبيعي).

وتم حظر أي مشاركة في مشاريع إعادة الإعمار في ما يتعلق بهذا القطاع بعينه؛ وحظر تقديم المنح والمساعدات المالية المقدمة إلى حكومة الجمهورية العربية السورية؛ وفرض قيود على الطيران المدني السوري وشركات الشحن السورية وعمليات حظر السفر وتجميد الأصول مفروضة في الوقت الراهن على 289 فرداً و70 كيانا.

وفرضت بريطانيا وأيرلندا الشمالية جزاءات موازية على سوريا، إذ شمل ذلك حظر تقديم أي دعم مالي وتكنولوجي للحكومة؛ وعمليات تجميد الأصول؛ وحظر الاستثمارات والتعاملات التجارية، بما في ذلك في قطاع الطاقة؛ وحظر السفر؛ وحظر خدمات التأمين وإعادة التأمين واستيراد النفط والمنتجات النفطية؛ وقطع العلاقات المصرفية مع المؤسسات المالية السورية.

وبالمثل، قامت سويسرا، منذ عام 2011، بمواءمة نظامها لفرض الجزاءات الانفرادية مع نظام الاتحاد الأوروبي، كما اعتمدت كندا جزاءاتها الانفرادية في عام 2011، وهي تحظر أي تعامل مع أشخاص معينين، من بينهم وزراء الحكومة، والواردات من السلع السورية باستثناء الأغذية؛ وأي خدمات تجارية أو مالية مع أي فرد أو كيان سوري؛ والاستثمارات؛ وأي صادرات من السلع تتراوح بين الأصناف التي يمكن استخدامها لمراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية، والمنتجات الكمالية.

كما أقدمت دول أخرى، مثل أستراليا التي تحتفظ بقوائم جزاءات موحدة تضم مئات الأفراد والكيانات السورية، على اعتماد تدابير مماثلة.. وفرضت جامعة الدول العربية عدداً من القيود التجارية والمالية منذ تعليق عضوية الجمهورية العربية السورية في نوفمبر 2011؛ وقد يعاد النظر في هذه القيود بعد إعادة قبول تجديد عضويتها في الجامعة مؤخرا.

وبعد زلزال فبراير 2023، اعتمدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لوائح تنص على تخفيف بعض الجزاءات لمدة ستة أشهر من أجل تنفيذ جهود الإغاثة بعد الزلزال.

وأكد التقرير الأممي أن التحديات التي تطرحها أنظمة الجزاءات المعقدة والمتعددة، بما في ذلك الافتقار إلى القدرات أو الموارد المالية اللازمة لمواجهتها، أصبحت منبطاً رئيسياً لجميع الجهات الفاعلة ذات الصلة، بما في ذلك الدول والمصارف وشركات التأمين والنقل وغيرها من الأعمال التجارية والجهات المانحة والجهات العاملة في المجال الإنساني، التي يفضل بعضها وقف عملياتها تماماً بدلاً من تحمل تكاليف العناية الكبيرة والتكاليف القانونية والمعاناة من التأخير الشديد في تسليم السلع أو في الموافقة على المعاملات المالية وتسويتها.

ووفقاً للبيانات والتقارير، لا تزال الجمهورية العربية السورية في أزمة اقتصادية مطولة مع ارتفاع معدلات التضخم وحدوث انخفاضات متكررة في قيمة العملة الوطنية، وأدى كل ذلك إلى تأكل كامل للقوة الشرائية للأسر المعيشية التي تجد نفسها في حالة دائمة للسعي إلى البقاء على قيد الحياة.

كما ارتفع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي من 47 ليرة سورية مقابل دولار واحد في عام 2010 إلى 100-500 ليرة سورية في عام 2019، ونحو 7500 ليرة سورية  في أبريل 2023، قبل أن يتم التوفيق بين سعري الصرف غير الرسمي والرسمي بتحديد سعر أقل.

ويعقد مجلس حقوق الإنسان (تأسس عام 2006) ما لا يقل عن 3 دورات عادية في العام، لفترات مجموعها 10 أسابيع على الأقل، وهي تُعقد في أشهر مارس (لمدة 4 أسابيع) ويونيو (لمدة 3 أسابيع)، وسبتمبر (لمدة 3 أسابيع).

يجوز لمجلس حقوق الإنسان -إذا طلب ثلث الدول الأعضاء (عددها 47)- أن يقرر في أي وقت عقد دورة استثنائية لتناول انتهاكات وطوارئ حقوق الإنسان.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية